دخول
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 1 عُضو حالياً في هذا المنتدى :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 1 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 53 بتاريخ الجمعة 09 فبراير 2024, 13:21
المواضيع الأخيرة
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
IKRAM | ||||
AlgeriaB10 | ||||
AMIRA | ||||
رغد | ||||
مرجانة الجنة | ||||
غصن البان | ||||
fatma lyle | ||||
الشهاب المضيىء | ||||
Admin | ||||
faycel |
مرحبا
أغنية الصيّاد الصغير - محمد شاكر السبع
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
أغنية الصيّاد الصغير - محمد شاكر السبع
وضعت صرخة المندائي، الطويلة المولولة التي تشبه عواء الذئاب، النهاية غير السعيدة لذلك الحب الضاري الذي أضرم النار بخمسة بيوت من الطابوق وسبعة عشر كوخاً من القصب والبردي. الأقدام المهرولة في الممر المفضي إلى الردهة بلبلت الممرضين والمعاونين الطبيين الذين ما زالوا مذهولين من الصرخة. لم يتسنَ لهم أن يتمترسوا في مواجهة الرجال التسعة الذين اقتحموا الردهة بثياب ممزقة وبعيون مليئة بالدموع.. تسعة رجال من ذوي البشرة السمراء بدرجات متفاوتة شكلوا حلقة بشرية غاضبة حول السرير الذي يجلس عليه المندائي الذي يضم إلى صدره كتلة سوداء كبيرة مبقعة بلون وردي.
تفاقم الغضب في الحلقة البشرية.. امتدت منها أذرع عديدة إلى المندائي وإلى الكتلة السوداء:
-أيها النجس.. دعه.
-ألم يكفك أنك نجسته طوال حياته حتى تنجسه بعد موته؟
-أيها الصّبي(1) النجس.. اتركه.
بدا المندائي وكأنه لم يتأثر أو هو لم يخشَ كلمات الغضب هذه. كان يضم الكتلة السوداء المبقعة بلطخات وردية وهو يهتز فوق السرير مثل بندول الساعة.
كان فمه مفتوحاً على سعته وكأنه ما زال يصرخ ولكن دونما صوت. فجأة، التحمت الأذرع الثمانية عشر بالمندائي وبكتلة اللحم.
علا صوت ممرض من وراء الحلقة البشرية:
-هؤلاء الوحوش سيمزقون الجثة.
أذرع عديدة حملت المندائي ورمته على السرير المجاور بعنف جعله ينقلب بقوة ويسقط على الأرض من الجهة الأخرى. تمددت الكتلة السوداء المبقعة بلون وردي على السرير مرة أخرى. ثماني عشرة عيناً حمراء تسيل منها الدموع تتطلع إلى الرأس الملفوف بضمادات بيض.. تتطلع بغضب وحزن وبلاهة.
-هل مات؟
علا صوت نفس الممرض ثانية من ورائهم:
-إذا لم يمت قبل دخولكم فقد وضعتموه الآن في جيب الموت.
-إذا لم يسكت هذا اللسان فسأقطعه من دون تأخير.
-ألا يوجد أحد في هذا المستشفى يخبرنا أن كان ابن عمنا مات أم لا؟.. هل نجلب شخصاً من مستشفى آخر ليخبرنا بذلك؟
أجاب أحد الممرضين:
-مات.. كل مَنْ يستطيع النظر إليه يعرف على الفور أنه ميت.. أخبرنا ذلك الرجل الذي كان معه طوال يومين، وبدلاً من أن يتصرف مثل الرجال أخذ يصرخ كالنساء.
أشار أحدهم له أن يصمت. كان المندائي قد زحف باتجاه مقدم السرير ليتكئ على الخزانة الحديدية الصغيرة الموجودة قربه. مد ساقيه إلى الأرض مثلما تفعل النسوة النادبات، وغطى عينيه بطرف كوفيته وأجهش بالبكاء. عادت العيون الثماني عشرة تحملق بنفس تلك النظرة الحزينة البلهاء في الكتلة السوداء والرأس الملفوف بالضمادات.
-والآن، ماذا نفعل؟.. نتركه أم نأخذه؟
-نأخذه طبعاً.
-كيف نحمله؟
-كيف؟
-نعم.. كيف؟.. إن لحمه يكاد يسقط عن العظام.. أتستطيع حمله من دون أن يسقط ذلك اللحم؟
-لنلفه بالشرشف.
سُحب طرف الشرشف من تحت الوسادة التي رُميت بعيداً. جُرت الكتلة السوداء قليلاً إلى الأسفل. خلال ذلك ارتفعت همهمة واحتجاج الممرضين والمعاونين الطبيين:
-لكن هذا شرشف المستشفى.. يعني شرشف الحكومة.
-يعني سرقة أموال الدولة في وضح النهار.
-ماذا؟.. لو كل ميت يلفونه بشرشف، فلن يبقى في المستشفى شرشف واحد بعد ثلاثة أيام.
انتهى الرجال التسعة من لف الكتلة السوداء بالشرشف. انقلبوا بحملهم متجهين إلى باب الردهة، اكتشفوا أن الممرضين والمعاونين الطبيين قد وقفوا لهم في منتصف الطريق إلى الباب.
-ماذا؟
-لن تخرجوا من الردهة بشرشف المستشفى.
شق أكبرهم طريقه من بين أخوته الثمانية.. قال للممرض بلهجة لينة:
-أنت لن ترضى بحدوث مذبحة بسبب شرشف عتيق مليء بالقاذورات.
لانت لهجة الممرض أيضاً:
-لكن هذا الشرشف مسجل بذمتنا.
-لو خرجت من هذا المكان فسترى سيارة وتابوتاً والكثير من البطانيات.. سنعيد إلى ذمتكم هذا الشرشف القذر حالما نصل إلى السيارة.
-في هذه الحالة سأرافقكم.
تقدم الرجال الأربعة الحاملين الشرشف من طرفيه، يتبعهم أخوتهم الخمسة والممرض الذي أصر على أن لا يتخلى عن الشرشف. تقدموا في الممر بسيقان أوهنها حزن يومين ثقيلين. في الباحة الكبيرة أمام قسم الطوارئ التي بدت وكأنها كانت حديقة كبيرة فيما مضى، لكن البنايات الصغيرة المتقاربة والممرات الإسمنتية التي كونت ما يشبه شبكة من طرق السابلة ثلّمت هذه الحديقة. رأى الممرض مثلما رأى الأخوة التسعة سيارة صغيرة يستقر على سقفها تابوت وحولها يقف ثلاثة أو أربعة من الرجال. تقدم أطول الرجال وكان ذا بشرة سوداء داكنة نحو الأخوة التسعة. سأل بهدوء:
هل مات؟
بكى حاملو الشرشف.. هز رأسه متمتماً:
-ليرحمه الله.
تلك الباحة التي ما زالت تنتصب فيها نخلات متباعدات امتلأت فجأة برجال ونساء وأطفال كما لو أنهم سقطوا من الفضاء ممتلئين بحزن سماوي ثقيل. خلال الدقائق الثلاث أو الأربع التالية لم يظهر من السيارة سوى سقفها، فالحزانى أحاطوها من كل جانب. حين رفع الأخوة التسعة التابوت من الأرض إلى سقف السيارة ظهر ممرض عملاق ضخم الجسم وذو وجه يشبه وجه النمر:
-إلى أين؟.. أيها اللصوص، تأخذون الجثة إلى أين؟
بعد أن وضع الأخوة التسعة التابوت على سقف السيارة استداروا نحوه، ووقفوا كمتراس بينه وبين السيارة. تدخل ممرض الردهة مخاطباً النمر:
-لم يعيدوا شرشف المستشفى.. لفوا الجثة به ووضعوه في التابوت.
لم يعر النمر لممرض الردهة أي اهتمام. نظر إلى المتراس البشري الذي تكورت قبضات أيديه، أيديه التي ما زالت ساكنة برغم توترها. ما كان بمقدور هذا النمر المتدرع بملابس المستشفى البيض أن يخيف هؤلاء الأخوة التسعة، وما كان قطيع من النمور ليفعل ذلك. لكن هذا النمر الأبيض ما كان يعرف ذلك، وما كان ليعرف ذلك أبداً، لذلك قال:
-تأخذون جثة من مستشفى بهذه البساطة؟.. أتعتقدون أنكم في سوق خضروات؟..
أنزلوها..
سأله الرجل الطويل ذو البشرة الداكنة:
-ماذا تريد أن تفعل بها؟
وجد النمر مَنْ يوجه إليه الكلام:
-سآخذها إلى صالة التشريح.. لا بد أن نعرف أسباب الوفاة.. ربما هناك جريمة...
قاطعه الرجل الطويل:
-إذن، ماذا كانت تفعل في مستشفاكم طوال يومين؟.. النار شوتها وأنتم سلختم جلدها، ثم تأتينا أنت لتقطّعها بمناشيرك وبلطاتك؟.. لن أدع أحداً يمزق ملّوكي..
لم يتزحزح النمر الأبيض، خلال ذلك ظهر الكثير من الرجال الذين يرتدون الملابس البيض والذين أحاطوا بالمتجمهرين حول السيارة مكونين طوقاً متماسكاً. أيقن الجميع أن معركة على وشك الوقوع. لكن ثلاثة مفوضي شرطة خرقوا الطوق:
-ماذا؟.. ما الأمر؟
سأل المفوض الأطول قامة خلال ما كان يمر عبر المتجمهرين. أجاب أحد الإخوة التسعة:
-كدنا نقتل نجرس لنسترد ملّوكي، وهذا الرجل يريد أن يأخذه إلى غرفة التشريح ليقطّعه يا وليد.
-لن يأخذ أحد ملّوكي إلى أي مكان.
سقط فك النمر الأبيض. قال للمفوض وليد:
-أنت رجل قانون ومكانك معي و...
قاطعه المفوض وليد:
-لسنا الآن أمام قانون، وإنما أمام شاب ميت. يجب أن نحترم الموتى يا رجل.
-كيف يخرج ميت من المستشفى من دون شهادة وفاة؟
وضع المفوض وليد ذراعه على كتف النمر وجره بعيداً عن المتجمهرين:
-من أين تستخرج هذه الشهادة؟
أجاب النمر الذي فقد أنيابه ومخالبه:
-من موظف الإحصاء .
-لنذهب إلى هذا الموظف.
-لكن..
-لا تعترض كثيراً.. هيا.
اكتشف نمر المستشفى أن المفوضين الآخرين يسيران وراءهما مباشرة. أيقن أن المفوضين الثلاثة انتهوا من إلقاء القبض عليه. أيقن أن هذه البدلات الخضر الثلاث والنجوم البيض الصغيرة الملتصقة بالياقات حاصرت روحه الباسلة التي استمدت، خلال فترة طويلة جداً، عزيمتها من وراء غموض وغرابة ورهبة عالم صالة التشريح ذات المنضدتين المرمريتين البيضاوين وسائر آلات تقطيع الجسم البشري. لكنه لم يستسلم تماماً للقوة غير المرئية للبدلات الخضر، فنظام المستشفى بدأ يمد روحه المحاصرة بمصل مضاد لكل القوانين السائدة خارج سياج المستشفى.
قاده المفوضون الثلاث إلى غرفة موظف الإحصاء. في الحقيقة دفعوه، وإن كان برفق، أمامهم في ممرات ضيقة مزعجة. في غرفة صغيرة وأمام منضدة يجلس وراءها شاب يضع على عينيه نظارة طبية وقف الأربعة. قال المفوض وليد وهو على وشك الانفجار.
-أنت موظف الإحصاء؟.. أعني أنت مَنْ يمنح الموتى الشهادات؟
هب الشاب ذو النظارات واقفاً على قدميه حين رفع رأسه ورأى ثلاثة مفوضين أمامه:
نعم.
-ماذا نفعل لنحصل على شهادة وفاة لشخص مات في مستشفاكم هذا الصباح؟
اختفت ملامح الارتباك من الوجه الذي يحمل نظارة:
-أين تقرير الطبيب المعالج؟
-إذن، نحتاج إلى ذلك التقرير.
التفت المفوض وليد إلى زميليه وخاطبهما:
-انتظرا هنا مع هذا الرجل.
وأشار إلى النمر الأبيض ثم واصل:
-سأذهب إلى قسم الطوارئ لأجد الطبيب المعالج.
أوقف موظف الإحصاء المفوض وليد في خطوته الثانية:
-تعني ذلك الذي مات هذا الصباح بسبب حروقه الشديدة؟
لم ينتظر جواباً. تناول من فوق المنضدة ملفاً وبحث فيه. قال وهو يقرأ في ورقة صغيرة:
-مالك ساجت؟
قال أحد المفوضين اللذين ظلا صامتين طوال الوقت الذي مضى:
-نعم.. هو.
رفع الشاب ذو النظارة رأسه ونظر إليهم:
-هذا هو تقرير الطبيب المعالج. وصل قبل ربع ساعة وكنت بانتظار أحد لأحرر شهادة وفاة لهذا المنكود.
التفت المفوض وليد إلى النمر الأبيض.
-أتحتاج هذا التقرير؟.. أتريد نسخة من شهادة الوفاة؟.
تدخل موظف الإحصاء وكأن إهانة وجهت له:
-مَنْ يحتاج التقرير؟
ثم وجه كلامه إلى ممرض التشريح:
-أنت؟
أجابه المفوض وليد:
-أصرّ على نقل الجثة إلى غرفة التشريح ليعرف أسباب الوفاة...
ضج ذو النظارة:
-يعرف ماذا؟ إذن، ما الذي يعمله الأطباء المعالجون؟
اكتشف المفوضون الثلاثة أن ذلك النمر الأبيض انسل من الغرفة بخفة فاقت ملاحظتهم:
-والآن؟
تساءل موظف الإحصاء ناظراً إلى المفوضين الثلاثة ببلاهة أو بلادة، لا فرق. قال المفوض وليد:
-الآن حرر شهادة وفاة ملّوكي.
تساءل بنفس البلاهة أو البلادة:
-ملّوكي؟.. مَنْ يكون هذا؟
-هو نفسه مالك ساجت.
أخيراً جلس موظف الإحصاء على كرسيه. تناول سجلاً ذا أوراق مطبوعة وأخرج تقرير الطبيب المعالج من الملف. رفع رأسه وسأل:
-مالك ساجت.. المتوفى بحروق شديدة.. أين هوية الأحوال المدنية الخاصة به؟
سأل أحد المفوضين الآخرين:
-ما حاجتك لهذه الهوية؟
-وإذن، قل لي كيف أملأ فقرات شهادة الوفاة بالمعلومات؟.. ثم إنني يجب أن أمزق الهوية بعد أن أنتهي من تحرير الشهادة.
قال المفوض وليد:
-كيف تتلف وثيقة في ملف تحقيق لم يُغلق بعد؟
-ماذا تعني؟
أجاب المفوض الثالث:
-جرجرنا نصف القاطنين في محلة الماجدية إلى مركز الشرطة للتحقيق معهم خلال اليومين الماضيين.. ماذا نعتقد أننا نفعل في مركز الشرطة؟
أيقن المفوضون الثلاثة وهم يرون نظرات هذا الموظف ذي النظارات الطبية أنهم يتحدثون مع رجل ذي دماغ غليظ، عندئذ أحاطوه من الأمام والجانبين. قال المفوض وليد:
-أنت تعرف أن النار شوت صديقنا قبل يومين.. هو الآن في تابوت في ساحة المستشفى، هو الآن، يشوى بالشمس، ما الأمر؟
بدا شعور بالتعاسة يطفح على وجه الموظف ذي النظارات. وهكذا امتلأت حقول شهادة الوفاة بالمعلومات التي أخذت تنتقل من أفواه المفوضين الثلاثة إلى قلم موظف الإحصاء. وقعت وختمت بختم المستشفى الرسمي. أُعيد التابوت مرة ثانية إلى سقف السيارة. خاطب المفوض وليد الرجل الطويل ذا البشرة الداكنة:
-اصعد، فأنت مَنْ يذهب لدفنه في النجف.. أنت عمه وخذ معك ثلاثة أو أربعة من أولادك.. هيا.. لو ذهب أولادك به فسيرمون بجثة ابن عمهم إلى الكلاب في منتصف الطريق.. لا تثق طويلاً بحزنهم، هم الآن تحت صدمة الموت، غير أنهم في منتصف الطريق أو قبل ذلك سيفيقون من هذه الصدمة، وعندئذ سيلقونه في أول ترعة تصادفهم في الطريق.. هيا، اصعد يا عم جحيل.
ودفعه المفوضون الثلاثة ليجلس في مقدمة السيارة، ودفعوا ثلاثة من أولاده الذين ما يزالون ينوحون على ابن عمهم إلى المقعد الخلفي. دس المفوض وليد في يد العم جحيل المصعوق بدهشة غير متوقعة:
-أجرة السيارة دُفعت.. هذه النقود لتغطية تكاليف القبر والدفن ومصاريف الطريق.
حين أُغلق بابا السيارة وضع المفوضون الثلاثة أيديهم على التابوت وأطلقوا صرخات ألم محبوس في أعماقهم. تجاوبت معهم أصوات العويل من الواقفين قربهم، وارتفعت حدة العويل حين تحركت السيارة باتجاه باب المستشفى. تحركت ببطء في أول الأمر، وظلت تسير ببطء مخترقة شوارع المدينة الرئيسة يتبعها الرجال والنساء النادبات في موكب تشييع يزداد كبراً. بعد حوالي الساعة عبرت السيارة وتابوتها الجسر الملتوي مارة بالبيوت الخمسة المحترقة ثم الساحة السوداء التي كانت قبل يومين سبعة عشر كوخاً. كان المفوضون الثلاثة يسيرون خلف السيارة مباشرة بعيون أحالها البكاء حمراء قانية، وفي نهاية الموكب كان المندائي يسير متعثراً. علق صاحب مقهى قبل جسر المشرح عندما مر الموكب الحزين من أمام مقهاه:
-هذا أول سكير زنيم يشيّع بهذا الإجلال.
(1) الصَبّي أو الصُبيّ لفظة شعبية دارجة تطلق على الصابئي المندائي في العراق.
تفاقم الغضب في الحلقة البشرية.. امتدت منها أذرع عديدة إلى المندائي وإلى الكتلة السوداء:
-أيها النجس.. دعه.
-ألم يكفك أنك نجسته طوال حياته حتى تنجسه بعد موته؟
-أيها الصّبي(1) النجس.. اتركه.
بدا المندائي وكأنه لم يتأثر أو هو لم يخشَ كلمات الغضب هذه. كان يضم الكتلة السوداء المبقعة بلطخات وردية وهو يهتز فوق السرير مثل بندول الساعة.
كان فمه مفتوحاً على سعته وكأنه ما زال يصرخ ولكن دونما صوت. فجأة، التحمت الأذرع الثمانية عشر بالمندائي وبكتلة اللحم.
علا صوت ممرض من وراء الحلقة البشرية:
-هؤلاء الوحوش سيمزقون الجثة.
أذرع عديدة حملت المندائي ورمته على السرير المجاور بعنف جعله ينقلب بقوة ويسقط على الأرض من الجهة الأخرى. تمددت الكتلة السوداء المبقعة بلون وردي على السرير مرة أخرى. ثماني عشرة عيناً حمراء تسيل منها الدموع تتطلع إلى الرأس الملفوف بضمادات بيض.. تتطلع بغضب وحزن وبلاهة.
-هل مات؟
علا صوت نفس الممرض ثانية من ورائهم:
-إذا لم يمت قبل دخولكم فقد وضعتموه الآن في جيب الموت.
-إذا لم يسكت هذا اللسان فسأقطعه من دون تأخير.
-ألا يوجد أحد في هذا المستشفى يخبرنا أن كان ابن عمنا مات أم لا؟.. هل نجلب شخصاً من مستشفى آخر ليخبرنا بذلك؟
أجاب أحد الممرضين:
-مات.. كل مَنْ يستطيع النظر إليه يعرف على الفور أنه ميت.. أخبرنا ذلك الرجل الذي كان معه طوال يومين، وبدلاً من أن يتصرف مثل الرجال أخذ يصرخ كالنساء.
أشار أحدهم له أن يصمت. كان المندائي قد زحف باتجاه مقدم السرير ليتكئ على الخزانة الحديدية الصغيرة الموجودة قربه. مد ساقيه إلى الأرض مثلما تفعل النسوة النادبات، وغطى عينيه بطرف كوفيته وأجهش بالبكاء. عادت العيون الثماني عشرة تحملق بنفس تلك النظرة الحزينة البلهاء في الكتلة السوداء والرأس الملفوف بالضمادات.
-والآن، ماذا نفعل؟.. نتركه أم نأخذه؟
-نأخذه طبعاً.
-كيف نحمله؟
-كيف؟
-نعم.. كيف؟.. إن لحمه يكاد يسقط عن العظام.. أتستطيع حمله من دون أن يسقط ذلك اللحم؟
-لنلفه بالشرشف.
سُحب طرف الشرشف من تحت الوسادة التي رُميت بعيداً. جُرت الكتلة السوداء قليلاً إلى الأسفل. خلال ذلك ارتفعت همهمة واحتجاج الممرضين والمعاونين الطبيين:
-لكن هذا شرشف المستشفى.. يعني شرشف الحكومة.
-يعني سرقة أموال الدولة في وضح النهار.
-ماذا؟.. لو كل ميت يلفونه بشرشف، فلن يبقى في المستشفى شرشف واحد بعد ثلاثة أيام.
انتهى الرجال التسعة من لف الكتلة السوداء بالشرشف. انقلبوا بحملهم متجهين إلى باب الردهة، اكتشفوا أن الممرضين والمعاونين الطبيين قد وقفوا لهم في منتصف الطريق إلى الباب.
-ماذا؟
-لن تخرجوا من الردهة بشرشف المستشفى.
شق أكبرهم طريقه من بين أخوته الثمانية.. قال للممرض بلهجة لينة:
-أنت لن ترضى بحدوث مذبحة بسبب شرشف عتيق مليء بالقاذورات.
لانت لهجة الممرض أيضاً:
-لكن هذا الشرشف مسجل بذمتنا.
-لو خرجت من هذا المكان فسترى سيارة وتابوتاً والكثير من البطانيات.. سنعيد إلى ذمتكم هذا الشرشف القذر حالما نصل إلى السيارة.
-في هذه الحالة سأرافقكم.
تقدم الرجال الأربعة الحاملين الشرشف من طرفيه، يتبعهم أخوتهم الخمسة والممرض الذي أصر على أن لا يتخلى عن الشرشف. تقدموا في الممر بسيقان أوهنها حزن يومين ثقيلين. في الباحة الكبيرة أمام قسم الطوارئ التي بدت وكأنها كانت حديقة كبيرة فيما مضى، لكن البنايات الصغيرة المتقاربة والممرات الإسمنتية التي كونت ما يشبه شبكة من طرق السابلة ثلّمت هذه الحديقة. رأى الممرض مثلما رأى الأخوة التسعة سيارة صغيرة يستقر على سقفها تابوت وحولها يقف ثلاثة أو أربعة من الرجال. تقدم أطول الرجال وكان ذا بشرة سوداء داكنة نحو الأخوة التسعة. سأل بهدوء:
هل مات؟
بكى حاملو الشرشف.. هز رأسه متمتماً:
-ليرحمه الله.
تلك الباحة التي ما زالت تنتصب فيها نخلات متباعدات امتلأت فجأة برجال ونساء وأطفال كما لو أنهم سقطوا من الفضاء ممتلئين بحزن سماوي ثقيل. خلال الدقائق الثلاث أو الأربع التالية لم يظهر من السيارة سوى سقفها، فالحزانى أحاطوها من كل جانب. حين رفع الأخوة التسعة التابوت من الأرض إلى سقف السيارة ظهر ممرض عملاق ضخم الجسم وذو وجه يشبه وجه النمر:
-إلى أين؟.. أيها اللصوص، تأخذون الجثة إلى أين؟
بعد أن وضع الأخوة التسعة التابوت على سقف السيارة استداروا نحوه، ووقفوا كمتراس بينه وبين السيارة. تدخل ممرض الردهة مخاطباً النمر:
-لم يعيدوا شرشف المستشفى.. لفوا الجثة به ووضعوه في التابوت.
لم يعر النمر لممرض الردهة أي اهتمام. نظر إلى المتراس البشري الذي تكورت قبضات أيديه، أيديه التي ما زالت ساكنة برغم توترها. ما كان بمقدور هذا النمر المتدرع بملابس المستشفى البيض أن يخيف هؤلاء الأخوة التسعة، وما كان قطيع من النمور ليفعل ذلك. لكن هذا النمر الأبيض ما كان يعرف ذلك، وما كان ليعرف ذلك أبداً، لذلك قال:
-تأخذون جثة من مستشفى بهذه البساطة؟.. أتعتقدون أنكم في سوق خضروات؟..
أنزلوها..
سأله الرجل الطويل ذو البشرة الداكنة:
-ماذا تريد أن تفعل بها؟
وجد النمر مَنْ يوجه إليه الكلام:
-سآخذها إلى صالة التشريح.. لا بد أن نعرف أسباب الوفاة.. ربما هناك جريمة...
قاطعه الرجل الطويل:
-إذن، ماذا كانت تفعل في مستشفاكم طوال يومين؟.. النار شوتها وأنتم سلختم جلدها، ثم تأتينا أنت لتقطّعها بمناشيرك وبلطاتك؟.. لن أدع أحداً يمزق ملّوكي..
لم يتزحزح النمر الأبيض، خلال ذلك ظهر الكثير من الرجال الذين يرتدون الملابس البيض والذين أحاطوا بالمتجمهرين حول السيارة مكونين طوقاً متماسكاً. أيقن الجميع أن معركة على وشك الوقوع. لكن ثلاثة مفوضي شرطة خرقوا الطوق:
-ماذا؟.. ما الأمر؟
سأل المفوض الأطول قامة خلال ما كان يمر عبر المتجمهرين. أجاب أحد الإخوة التسعة:
-كدنا نقتل نجرس لنسترد ملّوكي، وهذا الرجل يريد أن يأخذه إلى غرفة التشريح ليقطّعه يا وليد.
-لن يأخذ أحد ملّوكي إلى أي مكان.
سقط فك النمر الأبيض. قال للمفوض وليد:
-أنت رجل قانون ومكانك معي و...
قاطعه المفوض وليد:
-لسنا الآن أمام قانون، وإنما أمام شاب ميت. يجب أن نحترم الموتى يا رجل.
-كيف يخرج ميت من المستشفى من دون شهادة وفاة؟
وضع المفوض وليد ذراعه على كتف النمر وجره بعيداً عن المتجمهرين:
-من أين تستخرج هذه الشهادة؟
أجاب النمر الذي فقد أنيابه ومخالبه:
-من موظف الإحصاء .
-لنذهب إلى هذا الموظف.
-لكن..
-لا تعترض كثيراً.. هيا.
اكتشف نمر المستشفى أن المفوضين الآخرين يسيران وراءهما مباشرة. أيقن أن المفوضين الثلاثة انتهوا من إلقاء القبض عليه. أيقن أن هذه البدلات الخضر الثلاث والنجوم البيض الصغيرة الملتصقة بالياقات حاصرت روحه الباسلة التي استمدت، خلال فترة طويلة جداً، عزيمتها من وراء غموض وغرابة ورهبة عالم صالة التشريح ذات المنضدتين المرمريتين البيضاوين وسائر آلات تقطيع الجسم البشري. لكنه لم يستسلم تماماً للقوة غير المرئية للبدلات الخضر، فنظام المستشفى بدأ يمد روحه المحاصرة بمصل مضاد لكل القوانين السائدة خارج سياج المستشفى.
قاده المفوضون الثلاث إلى غرفة موظف الإحصاء. في الحقيقة دفعوه، وإن كان برفق، أمامهم في ممرات ضيقة مزعجة. في غرفة صغيرة وأمام منضدة يجلس وراءها شاب يضع على عينيه نظارة طبية وقف الأربعة. قال المفوض وليد وهو على وشك الانفجار.
-أنت موظف الإحصاء؟.. أعني أنت مَنْ يمنح الموتى الشهادات؟
هب الشاب ذو النظارات واقفاً على قدميه حين رفع رأسه ورأى ثلاثة مفوضين أمامه:
نعم.
-ماذا نفعل لنحصل على شهادة وفاة لشخص مات في مستشفاكم هذا الصباح؟
اختفت ملامح الارتباك من الوجه الذي يحمل نظارة:
-أين تقرير الطبيب المعالج؟
-إذن، نحتاج إلى ذلك التقرير.
التفت المفوض وليد إلى زميليه وخاطبهما:
-انتظرا هنا مع هذا الرجل.
وأشار إلى النمر الأبيض ثم واصل:
-سأذهب إلى قسم الطوارئ لأجد الطبيب المعالج.
أوقف موظف الإحصاء المفوض وليد في خطوته الثانية:
-تعني ذلك الذي مات هذا الصباح بسبب حروقه الشديدة؟
لم ينتظر جواباً. تناول من فوق المنضدة ملفاً وبحث فيه. قال وهو يقرأ في ورقة صغيرة:
-مالك ساجت؟
قال أحد المفوضين اللذين ظلا صامتين طوال الوقت الذي مضى:
-نعم.. هو.
رفع الشاب ذو النظارة رأسه ونظر إليهم:
-هذا هو تقرير الطبيب المعالج. وصل قبل ربع ساعة وكنت بانتظار أحد لأحرر شهادة وفاة لهذا المنكود.
التفت المفوض وليد إلى النمر الأبيض.
-أتحتاج هذا التقرير؟.. أتريد نسخة من شهادة الوفاة؟.
تدخل موظف الإحصاء وكأن إهانة وجهت له:
-مَنْ يحتاج التقرير؟
ثم وجه كلامه إلى ممرض التشريح:
-أنت؟
أجابه المفوض وليد:
-أصرّ على نقل الجثة إلى غرفة التشريح ليعرف أسباب الوفاة...
ضج ذو النظارة:
-يعرف ماذا؟ إذن، ما الذي يعمله الأطباء المعالجون؟
اكتشف المفوضون الثلاثة أن ذلك النمر الأبيض انسل من الغرفة بخفة فاقت ملاحظتهم:
-والآن؟
تساءل موظف الإحصاء ناظراً إلى المفوضين الثلاثة ببلاهة أو بلادة، لا فرق. قال المفوض وليد:
-الآن حرر شهادة وفاة ملّوكي.
تساءل بنفس البلاهة أو البلادة:
-ملّوكي؟.. مَنْ يكون هذا؟
-هو نفسه مالك ساجت.
أخيراً جلس موظف الإحصاء على كرسيه. تناول سجلاً ذا أوراق مطبوعة وأخرج تقرير الطبيب المعالج من الملف. رفع رأسه وسأل:
-مالك ساجت.. المتوفى بحروق شديدة.. أين هوية الأحوال المدنية الخاصة به؟
سأل أحد المفوضين الآخرين:
-ما حاجتك لهذه الهوية؟
-وإذن، قل لي كيف أملأ فقرات شهادة الوفاة بالمعلومات؟.. ثم إنني يجب أن أمزق الهوية بعد أن أنتهي من تحرير الشهادة.
قال المفوض وليد:
-كيف تتلف وثيقة في ملف تحقيق لم يُغلق بعد؟
-ماذا تعني؟
أجاب المفوض الثالث:
-جرجرنا نصف القاطنين في محلة الماجدية إلى مركز الشرطة للتحقيق معهم خلال اليومين الماضيين.. ماذا نعتقد أننا نفعل في مركز الشرطة؟
أيقن المفوضون الثلاثة وهم يرون نظرات هذا الموظف ذي النظارات الطبية أنهم يتحدثون مع رجل ذي دماغ غليظ، عندئذ أحاطوه من الأمام والجانبين. قال المفوض وليد:
-أنت تعرف أن النار شوت صديقنا قبل يومين.. هو الآن في تابوت في ساحة المستشفى، هو الآن، يشوى بالشمس، ما الأمر؟
بدا شعور بالتعاسة يطفح على وجه الموظف ذي النظارات. وهكذا امتلأت حقول شهادة الوفاة بالمعلومات التي أخذت تنتقل من أفواه المفوضين الثلاثة إلى قلم موظف الإحصاء. وقعت وختمت بختم المستشفى الرسمي. أُعيد التابوت مرة ثانية إلى سقف السيارة. خاطب المفوض وليد الرجل الطويل ذا البشرة الداكنة:
-اصعد، فأنت مَنْ يذهب لدفنه في النجف.. أنت عمه وخذ معك ثلاثة أو أربعة من أولادك.. هيا.. لو ذهب أولادك به فسيرمون بجثة ابن عمهم إلى الكلاب في منتصف الطريق.. لا تثق طويلاً بحزنهم، هم الآن تحت صدمة الموت، غير أنهم في منتصف الطريق أو قبل ذلك سيفيقون من هذه الصدمة، وعندئذ سيلقونه في أول ترعة تصادفهم في الطريق.. هيا، اصعد يا عم جحيل.
ودفعه المفوضون الثلاثة ليجلس في مقدمة السيارة، ودفعوا ثلاثة من أولاده الذين ما يزالون ينوحون على ابن عمهم إلى المقعد الخلفي. دس المفوض وليد في يد العم جحيل المصعوق بدهشة غير متوقعة:
-أجرة السيارة دُفعت.. هذه النقود لتغطية تكاليف القبر والدفن ومصاريف الطريق.
حين أُغلق بابا السيارة وضع المفوضون الثلاثة أيديهم على التابوت وأطلقوا صرخات ألم محبوس في أعماقهم. تجاوبت معهم أصوات العويل من الواقفين قربهم، وارتفعت حدة العويل حين تحركت السيارة باتجاه باب المستشفى. تحركت ببطء في أول الأمر، وظلت تسير ببطء مخترقة شوارع المدينة الرئيسة يتبعها الرجال والنساء النادبات في موكب تشييع يزداد كبراً. بعد حوالي الساعة عبرت السيارة وتابوتها الجسر الملتوي مارة بالبيوت الخمسة المحترقة ثم الساحة السوداء التي كانت قبل يومين سبعة عشر كوخاً. كان المفوضون الثلاثة يسيرون خلف السيارة مباشرة بعيون أحالها البكاء حمراء قانية، وفي نهاية الموكب كان المندائي يسير متعثراً. علق صاحب مقهى قبل جسر المشرح عندما مر الموكب الحزين من أمام مقهاه:
-هذا أول سكير زنيم يشيّع بهذا الإجلال.
(1) الصَبّي أو الصُبيّ لفظة شعبية دارجة تطلق على الصابئي المندائي في العراق.
WALIDO- عضو متوسط
- عدد المساهمات : 28
نقاط : 80
تاريخ التسجيل : 02/06/2011
رد: أغنية الصيّاد الصغير - محمد شاكر السبع
مشكوووووووووووووووور
AMIRA- المراقبة العامة
- عدد المساهمات : 280
نقاط : 491
تاريخ التسجيل : 01/07/2011
العمر : 25
الموقع : **ملــــــــــوزة**
رد: أغنية الصيّاد الصغير - محمد شاكر السبع
بارك الله فيك
رغد- المراقبة العامة
- عدد المساهمات : 175
نقاط : 194
تاريخ التسجيل : 06/07/2011
العمر : 29
الموقع : ملوزة
رد: أغنية الصيّاد الصغير - محمد شاكر السبع
شكرا جزيلا لك .. بارك الله فيك
الشهاب المضيىء- مشرف
- عدد المساهمات : 85
نقاط : 89
تاريخ التسجيل : 06/08/2011
العمر : 30
الموقع : ملوزة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس 02 أبريل 2015, 23:23 من طرف AlgeriaB10
» كتاب رائع في فن التفصيل والخياطة
الخميس 25 ديسمبر 2014, 20:30 من طرف جمال عمر
» ♥●● مخدات رائعة بالابرة والخيط ●●♥
الخميس 16 يناير 2014, 16:44 من طرف salmaWS
» التطريز .....
الخميس 16 يناير 2014, 16:40 من طرف salmaWS
» رسمات للتطريز
الخميس 16 يناير 2014, 16:33 من طرف salmaWS
» مجموعة من الوسائد المطرزة رائعة
الخميس 16 يناير 2014, 16:24 من طرف salmaWS
» أحلى فساتين مطرزة لعيونكم
الخميس 16 يناير 2014, 16:21 من طرف salmaWS
» معانى الشهور والايام
الأربعاء 13 نوفمبر 2013, 18:39 من طرف طاب موس
» القرار المكين
الأحد 09 يونيو 2013, 22:16 من طرف fatma lyle
» أيها الغائبون عنا....( زاد شوقنا إليكم والله )
الأحد 09 يونيو 2013, 21:33 من طرف fatma lyle